أولويات جديدة:
أبعاد الجدل حول تحركات المسئولين الأمريكيين في العراق

أولويات جديدة:

أبعاد الجدل حول تحركات المسئولين الأمريكيين في العراق



على غير عادة السفراء الأمريكيين السابقين في العراق منذ الغزو الأمريكي في مارس ٢٠٠٣، تقوم السفيرة الأمريكية لدى العراق ألينا رومانوسكي بأنشطة وتحركات تخرج، في رؤية اتجاهات عديدة، عن طبيعة المهام الدبلوماسية التي يفرضها المنصب. فمنذ الأول من الشهر الجاري وحتى اليوم التقت بالرئيس العراقي عبد اللطيف جمال رشيد، ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني، ومستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي، ووزيرة المالية طيف سامي، فضلاً عن نوري المالكي رئيس الوزراء الأسبق ورئيس ائتلاف دولة القانون، وعمار الحكيم زعيم تيار الحكمة، وعدد من القادة السياسيين المستقلين وصحفيين عراقيين. بجانب لقاءاتها في ٢٩ أبريل الفائت بشيوخ العشائر بمحافظة الأنبار، وهو الأمر الذي يثير تساؤلات عديدة حول دلالات هذا النشاط المكثف للسفيرة الأمريكية في العراق، الذي يتوازى مع زيارات يقوم بها العديد من مسئولي الإدارة الأمريكية لبغداد، والتي كان آخرها زيارة باربرا ليف مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشئون الشرق الأدنى، في 2 مايو الجاري.

أجندة مختلفة

كشفت أجندة لقاءات المسئولين الأمريكيين في العراق عن مجالات اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية التي يتمثل أبرزها في:

1- الانفتاح على القوى المناوئة في الداخل: بعد عقدين من الحرب الأمريكية على العراق، والسياسات الأمريكية خلال الإدارات الأمريكية الجمهورية والديمقراطية المتعاقبة، لإنهاء الحروب الأمريكية اللا نهائية في منطقة الشرق الأوسط، والتي كان آخرها قرار إدارة الرئيس جو بايدن بإنهاء التواجد العسكري الأمريكي في العراق في أغسطس ٢٠٢١، وتحول المهام العسكرية الأمريكية في العراق إلى استشارية وتقديم الدعم للقوات العراقية في مواجهة التنظيمات الإرهابية، بدأت الإدارة الديمقراطية الحالية في التركيز على إعادة هندسة وجودها السياسي والدبلوماسي في العراق، بعد تأكيد التواجد العسكري الأمريكي، من أجل حماية المكاسب التي حققتها داخل العراق والحفاظ على المصالح الأمريكية في العراق على الرغم من النفوذ الإيراني المتزايد داخل بغداد، ومعارضة بعض القوى الشيعية العراقية لاستمرار التواجد العسكري الأمريكي بالأراضي العراقية، وذلك بالانفتاح، على عكس المتوقع، على هذه القوى، ولا سيما تحالف الإطار التنسيقي الذي يضم بعض حلفاء إيران.

2- إنهاء القطيعة بين الحزبين الكرديين: رغم الجهود الحثيثة التي بذلها منسق البيت الأبيض لشئون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بريت ماكجورك، خلال زيارته لإقليم كردستان العراق في ١٨ يناير الماضي، ولقاءاته برئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني، وشخصيات كردية بما في ذلك رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني، ومسئولين آخرون من الاتحاد الوطني الكردستاني، إلا أنه لم ينجح في توحيد الصف الكردي بعد أن تصاعدت التوترات بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، والتي وصلت إلى حد تعليق نائب رئيس حكومة الإقليم قوباد طالباني ووزراء الاتحاد الوطني مشاركتهم في اجتماعات حكومة الإقليم والتي يرأسها مسرور بارزاني عن الحزب الديمقراطي الكردستاني.

لكن هذه الجهود لم تتوقف عند هذا الحد، إذ قامت باربرا ليف مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشئون الشرق الأدنى بزيارة أربيل والاجتماع مع طالباني وبارزاني، حيث تم التأكيد على ضرورة حل المشاكل الداخلية بين القوى الكردية في اجتماع الاثنين في خطوة تسهم في طي صفحة التوتر والخلافات التي كادت تصل لحد القطيعة وعودة شبح الاقتتال الداخلي وتشكيل حكومتين في الإقليم. وقد وصفت باربرا اللقاء بينهما بـ”العظيم”، لكون الخلاف داخل البيت الكردي سيضر بأمن المنطقة وفقاً لرؤيتها.

3- تعزيز التعاون الاقتصادي الثنائي: قالت السفيرة الأمريكية ألينا رومانوسكي خلال جلسة الاستماع بلجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ قبل تصديق المجلس على توليها المنصب، إنها ستعمل على توفير أسواق جديدة للصادرات الأمريكية، وستدعو بقوة العراق إلى الوفاء بترتيباتها لشراء الأرز والقمح الأمريكيين. وقد ركزت زيارة وزير التجارة العراقي أثير سلمان الغريري للولايات المتحدة الأمريكية على رأس وفد تجاري، وفقاً لتغريدة رومانوسكي في ١١ مايو الجاري، على القمح الأمريكي. وأضافت أن الاجتماعات التي عقدها الوفد مع أعضاء اتحاد القمح والمصدرين والمسئولين في الولايات المتحدة الأمريكية ستؤدي إلى توافر قمح أمريكي عالي الجودة ومنتجات زراعية أخرى قريباً في العراق.

4- مواجهة تحديات التغير المناخي: كانت قضية التغير المناخي وجهود مواجهته ضمن قضايا النقاش بين رئيس تيار الحكمة عمار الحكيم والسفيرة الأمريكية في العراق، في وقت تحتل فيه بغداد المرتبة الخامسة بين الدول الأكثر عرضة للتأثر بتغير المناخ، والذي يؤثر بشكل مباشر على استقرارها وازدهارها بشكل عام، حيث يؤدي نقص المياه المستمر وارتفاع درجات الحرارة إلى زيادة الضغط على الموارد الأساسية وتقليل فرص كسب العيش في القطاعات التي كانت مزدهرة في السابق، مثل الزراعة. وخلال زيارة وزير التجارة العراقي أثير سلمان لواشنطن أبدى نائب وزير الزراعة الأمريكي كيفن شي استعداده لتقديم المساعدة والدعم للعراق في تطوير عمليات الري والزراعة لإنتاج أصناف الحبوب الملائمة لمناخ ومواصفات العراق، وإمكانية تقديم الدعم للعراق في استخدام التكنولوجيا الحديثة في الري وإنتاج أصناف حبوب ملائمة للأجواء والمواصفات العراقية وزيادة الغلة الزراعية.

سياسة مزدوجة

أثارت أنشطة وتحركات السفيرة الأمريكية في العراق، ولا سيما زياراتها الميدانية وتعدد لقاءاتها مع مسئولين بالحكومة العراقية ومسئولين محليين في المدن والمحافظات العراقية، حالة من الغضب داخل الأوساط العراقية والتي اعتبرتها “تعدياً” على سيادة الدولة، ولذا دعا بعض قيادات القوى السياسية إلى التزام رومانوسكي بمهام منصبها الدبلوماسي. فقد طالب رئيس كتلة “حقوق” النيابية النائب سعود الساعدي، في بداية مارس الماضي، وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين بتقديم مذكرة احتجاج للسفارة الأمريكية لمنع تدخلات السفيرة الأمريكية في الشئون الداخلية التشريعية والتنفيذية، ورفض انتهاك السيادة العراقية، واحترام الدستور العراقي وأحكام المواثيق الدولية والأممية.

وعلى الرغم من لقاءات قادة تحالف الإطار التنسيقي مع السفيرة الأمريكية، إلا أن ذلك لم يحل دون توجيه انتقادات من جانب بعض أعضائه إزاء تحركات رومانوسكي في محاولة لتقليص تأثير الحملة التي شنها التيار الصدري والقوى المدنية ضد تزايد دور السفيرة في ظل الحكومة العراقية التي شكلها تحالف الإطار التنسيقي في نهاية أكتوبر الماضي.

وفي هذا الصدد، قال أمين عام حركة “عصائب أهل الحق” قيس الخزعلي، الذي كان حاضراً في لقاءات “منتدى العراق”، الذي شاركت فيه السفيرة، أن الأخيرة “تقوم بأدوار أكثر مما هو مطلوب منها، وعليها أن تلتزم بالسياقات الدبلوماسية”، مضيفاً أنه “لو أن سفير دولة مجاورة قام بذات الدور (السفير الإيراني) لأخذت الأمور منحى آخر”، وهى إشارة لها مغزاها ومفادها أن بعض القوى السياسية العراقية تتبنى سياسة مزدوجة إزاء الأدوار التي يقوم بها المسئولون الأمريكيون والإيرانيون داخل العراق، على نحو يوحي بأن هذا الجدل سوف يتواصل خلال المرحلة القادمة.