التوجّه شرقاً:
أبعاد زيارة وزير خارجية الجزائر للأردن ولبنان

التوجّه شرقاً:

أبعاد زيارة وزير خارجية الجزائر للأردن ولبنان



تُبدي القيادة السياسية الجزائرية في الوقت الراهن اهتماماً ملحوظاً بتعزيز علاقاتها مع الدول العربية، حيث تتبنى نهج الزيارات الدبلوماسية المكثفة لأكبر عدد من الدول العربية خلال الفترة الأخيرة، ومن المؤشرات الدالة على ذلك الجولات الخارجية التي قام بها مؤخراً الرئيس “عبدالمجيد تبون” لبعض دول الخليج وخاصة قطر والكويت في شهر فبراير الماضي. وعقب انتهاء هاتين الزيارتين، قام وزير الخارجية الجزائري “رمطان لعمامرة” ببعض الزيارات الخارجية لدولتي الأردن ولبنان خلال الفترة من 6 إلى 7 مارس 2022.

كما توجه وزير الخارجية الجزائري “لعمامرة” أولاً، في 6 مارس الجاري، بزيارة إلى المملكة الأردنية، التقى خلالها الملك “عبدالله الثاني” ووزير الخارجية الأردني ونائب رئيس الوزراء “أيمن الصفدي”، والتي تزامنت مع الذكرى المئوية لتأسيس المملكة الأردنية الهاشمية، وتم الاتفاق خلال هذه الزيارة على إجراء تقييم شامل لمجمل الاتفاقيات الثنائية، ودراسة إمكانية تعزيز وتكييف الإطار القانوني لتشجيع التبادلات التجارية والاستثمارات البينية، وتفعيل قرارات الدورة التاسعة للجنة المشتركة للتعاون الاقتصادي. ثم توجه بعد ذلك إلى لبنان في 7 مارس الجاري، والتقى خلال الزيارة الرئيس اللبناني “ميشال عون” للبحث في أوجه التعاون المشترك بين الدولتين.

أهداف محددة

حملت الجولات الدبلوماسية المكثّفة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية الجزائري “رمطان لعمامرة” لكل من المملكة الأردنية ولبنان، في طياتها مجموعة من الأهداف التي تسعى الجزائر لتحقيقها، ومن أبرزها ما يلي:

1- عقد القمة العربية بالجزائر: إذ جاءت زيارة “لعمامرة” لكل من الأردن ولبنان قبيل أيام من اجتماع لوزراء الخارجية العرب بمقر الجامعة العربية بالقاهرة، لتحديد الموعد النهائي للقمة العربية، فعقب تأجيل انعقاد القمة العربية التي كانت مقررة في شهر مارس الجاري، بسبب اختلاف مواقف ورؤى بعض الدول العربية بشأن بعض الملفات التي كانت مطروحة على جدول أعمال القمة، وعلى رأسها إشكالية عودة سوريا للجامعة العربية، وانقطاع العلاقات الجزائرية المغربية، وتأزم الأوضاع في ليبيا؛ فقد أصبح الاهتمام الرئيسي للسياسة الخارجية الجزائرية هو إجراء المشاورات السياسية مع أكبر عدد من الدول العربية لتوفير الأجواء السياسية المناسبة على المستوى العربي لضمان انعقاد القمة، وهو ما دفع الرئيس الجزائري “عبدالمجيد تبون” للإدلاء بتصريحات أفادت بأن القمة سيتم عقدها قبل نهاية العام الجاري (اقترح أن تكون في شهر نوفمبر تزامناً مع الذكرى الـ60 لثورة التحرير الجزائرية في عام 1954).

وتخلل لقاءاته مع القادة العرب خلال جولاته الخارجية الأخيرة لكل من تونس ومصر وقطر والكويت، هذه القضية على وجه التحديد، وتم وضعها على رأس جدول أعماله خلال هذه الزيارات، وقبلها زيارات “لعمامرة” لكل من الإمارات والسعودية وقطر والكويت ومصر لنفس الغرض. وبالتالي جاءت زيارة “لعمامرة” لكل من عمان وبيروت من أجل استكمال الجهود الدبلوماسية الجزائرية لحشد تأييد عربي واسع لإنجاح المشاورات التمهيدية الخاصة بعقد القمة العربية خلال الربع الأخير من العام الجاري، حيث قام خلال هذه الزيارة بالاجتماع مع العاهل الأردني “عبدالله الثاني” والرئيس اللبناني “ميشال عون”، وسلمه رسالة من الرئيس “تبون” تتناول التحضيرات الجزائرية لعقد القمة العربية.

2- تحسين العلاقات اللبنانية بدول الخليج: عبر وزير الخارجية الجزائري “لعمامرة” خلال لقائه مع الرئيس اللبناني “ميشال عون” عن دعم بلاده للمبادرة الكويتية الخاصة بمحاولة تحسين العلاقات الدبلوماسية بين لبنان ودول الخليج العربية، وذلك بعدما شهدت هذه العلاقات توتراً كبيراً وصل إلى حد أزمة غير مسبوقة في علاقات الطرفين منذ أكتوبر الماضي، وسحب سفرائهم من لبنان. وهنا تحاول الجزائر لعب دور في تقريب وجهات النظر بين دول الخليج ولبنان من خلال دعمها للمبادرة الكويتية في هذا الخصوص، في ظل ما تتمتع به الجزائر من علاقات دبلوماسية واقتصادية قوية مع دول الخليج العربية من جهة، ومع لبنان من جهة أخرى، خاصة وأن زيارة “لعمامرة” إلى لبنان سبقتها زيارة وزير العدل الجزائري “رشيد طبي” وتوقيعه على اتفاقيتين قضائيتين مع نظيره اللبناني “هنري الخوري”، تتعلق الأولى بالتعاون القضائي في المجال الجزائي، بينما تتعلق الثانية بتسليم المجرمين، وهو ما يُعزز التعاون الثنائي بين بيروت والجزائر.

3- تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية الخليجية مع الأردن ولبنان: جاءت زيارة “لعمامرة” كذلك إلى كل من الأردن ولبنان في إطار سعي الدول الثلاث لتطوير علاقاتها الاقتصادية والتجارية، فلبنان تدرك أهمية تعزيز علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع الجزائر، خاصة وأن الأخيرة لها دور فاعل في مساعدة الحكومة اللبنانية في حادث انفجار مرفأ بيروت قبل عامين في 2020، وكانت من أولى الدول التي بادرت بإرسال المساعدات الطبية ومواد البناء، في حين تسعى الجزائر لتطوير علاقاتها الاقتصادية مع الأردن التي تربطها بها اتفاقيات اقتصادية وتجارية أتاحت للعديد من القطاعات الصناعية الأردنية ميزة تنافسية للدخول إلى السوق الجزائرية، خصوصاً قطاع الصناعات الجلدية والمحيكات، والعلاجية واللوازم الطبية، والكيماوية، والصناعات التموينية والغذائية والزراعية والثروة الحيوانية، والتعبئة والتغليف والورق والكرتون.

وتُشير الإحصائيات إلى أن قطاع الصناعة يحتل المرتبة الأولى في ترتيب الاستثمارات الأردنية بالجزائر، حيث يوجد 35 مشروعاً أردنياً من إجمالي 40 مشروعاً أجنبياً بحجم استثمار يصل إلى ما يقارب 247 مليون دولار خلال عام 2021، كما بلغ حجم التبادل التجاري بين الدولتين حوالي 215 مليون دولار خلال عام 2021، إضافة إلى أن الأردن تقدم فرصاً هائلة أمام رجال الأعمال الجزائريين لإقامة المشروعات الاقتصادية المشتركة، وخاصة في مجال الطاقة المتجددة والسياحة والصناعة.

دلالات هامة

اكتسبت زيارة وزير الخارجية الجزائري “رمطان لعمامرة” لكل من الأردن ولبنان، أهمية خاصة نظراً لبعض الدلالات السياسية الهامة، ومن أهمها ما يلي:

1- تصحيح اختلالات النظام الجزائري السابق: إذ تُشير التحركات الدبلوماسية المكثفة للجزائر في الوقت الراهن إلى تبنيها سياسة خارجية تقوم على محاولة تصحيح الأخطاء التي ارتكبها النظام السابق في عهد الرئيس الراحل “عبدالعزيز بوتفليقة”، وخاصة فيما يتعلق بعلاقات الجزائر بالدول العربية، وما كان لذلك من تداعيات على الأوضاع الاقتصادية تحديداً، إذ أثر ذلك سلباً على حجم الاستثمارات العربية ولا سيما الخليجية الموجهة للاقتصاد الجزائري، ولعل الاتفاقيات الاقتصادية التي وقعها الرئيس الجزائري “تبون” خلال زيارته الأخيرة لكل من قطر والكويت تعد مؤشراً هاماً على هذا التوجه الجزائري الساعي لتنشيط اقتصاده الوطني عبر جذب المزيد من الاستثمارات الخليجية والعربية في إطار استراتيجية تنويع مصادر الدخل القومي، وعدم الاقتصار فقط على العوائد النفطية (النفط – الغاز الطبيعي)، وذلك عبر توجيه هذه الاستثمارات لقطاعات اقتصادية معينة تسهم في تحقيق التنمية الاقتصادية وتوفير فرص العمل للشباب الجزائري.

2- تعزيز الدور الإقليمي للجزائر: فمن شأن الزيارات المكثفة التي قام بها كل من الرئيس الجزائري “عبدالمجيد تبون” ووزير خارجيته “رمطان لعمامرة” إلى كل من تونس ومصر وقطر والكويت والأردن ولبنان على التوالي، أن تسهم في تعزيز التقارب السياسي والاقتصادي بين الجزائر وهذه الدول من جهة، وتعزيز الدور الإقليمي الجزائري على المستوى العربي من جهة أخرى، ويكسبها مزيداً من الثقل السياسي الذي تتمتع به الجزائر، ويجعلها دولة ذات دور محوري على الصعيدين العربي والإقليمي، وكذلك في القارة الإفريقية، بما يعظم من مكاسبها السياسية والاقتصادية على حد سواء.

3- التضييق على التحركات السياسية للمغرب: مما لا شك فيه أن التحركات الدبلوماسية الجزائرية تهدف في أحد جوانبها إلى رغبة النظام السياسي الجزائري في تعزيز علاقاته مع الدول العربية، وتأييد موقفه بشأن الخلافات القائمة مع المغرب، في ظل قطع الجزائر علاقاتها مع المغرب في شهر أغسطس الماضي. وتدرك الجزائر جيداً الموقف الأردني تجاه قضية الصحراء المغربية، وخاصة بعد افتتاح الأردن قنصلية لها بمدينة العيون الواقعة في إقليم الصحراء المغربية، وهو ما يعني اعترافاً أردنياً بالسيادة المغربية على إقليم الصحراء، على نحو يتناقض مع الرؤية الجزائرية لتسوية هذه القضية؛ إلا أن تمسك الأردن بموقف محايد بعد إعلان الجزائر قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب، من شأنه تشجيع الجزائر على التقارب معها وضمان تحييد موقفها إزاء هذه القضية على وجه التحديد، كما تُبدي لبنان موقفاً محايداً من أزمة العلاقات المقطوعة بين الجزائر والمغرب، وهو ما يشجع الجزائر على محاولة استمالة موقفها تجاه قضية الصحراء.

بيئة مواتية

خلاصة القول، تعكس زيارة وزير الخارجية الجزائري “رمطان لعمامرة” لدولتي الأردن ولبنان، الحرص الجزائري على إيجاد بيئة سياسية عربية مواتية لضمان انعقاد القمة العربية بالجزائر قبيل نهاية العام الجاري، حيث تعول الجزائر على استضافة هذه القمة للتأكيد على قدرة الدبلوماسية الجزائرية على إقامة شراكات استراتيجية تخرجها من عزلتها التي عانت منها خلال السنوات الماضية من جهة، وكذلك عدم تأثرها بخلافاتها مع المغرب من جهة ثانية، الأمر الذي من شأنه التأكيد على قوة العلاقات الجزائرية مع معظم الدول العربية سياسياً واقتصادياً وأمنياً، بما يؤهلها لاستضافة القمة، ويعزز من ثقلها السياسي على المستوى العربي والإقليمي، وتوظيف ذلك للحفاظ على مصالحها المتنوعة مع كافة الدول العربية.